السبت، 3 ديسمبر 2011

العدل والاستقرار لا يتحققان من خلال الترعيب

العدل والاستقرار لا يتحققان من خلال الترعيب

يحكي فيلم «The Conspirator» قصة حقيقية عن حياة «فريدريك أيكن» الذي كان أول من تسلم رئاسة تحرير صحيفة «واشنطن بوست» الأميركية في العام 1877... القصة تبدأ مع أحداث الحرب الأهلية بين الشماليين والجنوبيين في الولايات المتحدة الأميركية، ويبدو «أيكن» جريحاً ويشارف على الموت، ومن ثم ينتقل الفيلم الى تحول المقاتل إلى مهنة المحاماة، لكن أول قضية تواجهه كانت الدفاع عن امرأة (وهي السيدة ماري سورات من الجنوب الأميركي وكانت تملك فندقاً صغيراً في واشنطن) اتهمت بأنها ضمن من تآمر لاغتيال الرئيس ابراهام لينكولن في 1865. وزير الحرب الأميركي آنذاك قرر إنشاء محكمة «عسكرية» لمحاكمة «مدنيين» من الجنوب الأميركي، واختار قضاة عسكريين للانتقام من المتهمين، كما قام المدعي العام بشراء الشهود لإجراء محاكمة سريعة وقاسية تصدر الأحكام بالإعدام «من أجل إرضاء الشماليين والانتقام من الجنوبيين».
«فريدريك أيكن» كان عليه أن يختار بين أن ينخرط مع رفاقه الشماليين وتسهيل مهمة إصدار حكم الإعدام على موكلته مع المتهمين الآخرين، وبذلك تتحقق رغبة وزير الحرب الذي كان يود تحقيق الأمن عبر «الحكم من خلال إثارة الرعب في قلوب الجنوبيين»، وبين الدفاع عنها بحسب الدستور الذي يقول إن كل متهم بريء حتى تثبت إدانته. وفي أثناء ذلك، يكتشف «أيكن» أن المتهمة لم يكن لها دور في الاغتيال، ولكنَّ ابنها الهارب كان يعمل مع المتهمين من أجل اختطاف الرئيس. وعليه، يسعى «أيكن» إلى إلغاء المحاكمة العسكرية، لأن المتهمين مدنيون، ويسعى إلى الحصول على أمر رئاسي بوقف تنفيذ حكم الإعدام الذي صدر ضد موكلته، ويتمكن من إقناع أحد كبار القضاة بإصدار أمر بإلغاء الحكم الصادر عن المحكمة العسكرية، إلا أن آخرين يتمكنون من إصدار أمر رئاسي بالمضي قُدُماً في تنفيذ حكم الإعدام في السيدة (مع المتهمين الآخرين). ولاحقاً، بعد إعدامها، يثبت أنها لم تكن مع من خطَّطَ للاغتيال، وعليه؛ فمنذ ذلك الحين منعت الولايات المتحدة محاكمة أي مواطن مدني في محاكم عسكرية، وألزمت بضمان توفير جميع الحقوق الدستورية للمتهم على أساس أنه بريء حتى تثبت إدانته... ولاحقاً يتحول المحامي الذي التزم بشرف مهنته إلى رئاسة تحرير صحيفة «واشنطن بوست» بعد تأسيسها.
الحوارات بين «أيكن» ووزير الحرب مهمة جدّاً... الوزير يقول: «من أجل حماية الأمة يجب أن تكون المحاكمة سريعة وتصدر وتنفذ أحكاماً قاسية» لإرضاء الشماليين، والمحامي أيكن يقول له: «العدل لا يتحقق من خلال الانتقام... أنت تريد الحكم من خلال التخويف والترعيب، ومؤسسو الولايات المتحدة الأميركية أرادوا الحكم من خلال القانون». ولقد أثبتت كل أحداث التاريخ في كل زمان ومكان أن العدل والاستقرار لا يتحققان من خلال التخويف والترعيب


منصور الجمري

صحيفة الوسط البحرينية - العدد 3374 - السبت 03 ديسمبر 2011م الموافق 08 محرم 1433هـ

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق