الاثنين، 20 أغسطس 2012

مقاتلو المعارضة السورية موحدون ضد النظام ومنقسمون بشأن السلطة والمال

مقاتلو المعارضة السورية موحدون ضد النظام ومنقسمون بشأن السلطة والمال

بيروت - أ ف ب
تتألف المجموعات المقاتلة المعارضة في سورية من جنود منشقين ومدنيين مسلحين من انتماءات وتيارات سياسية مختلفة تلتقي على إسقاط النظام ولكن تتنافس على المال وقيادة العمليات وحجز موقع لها على الخريطة السياسية لسورية ما بعد بشار الأسد.
وقد تظاهر السوريون المناهضون للنظام الجمعة تحت شعار «بوحدة جيشنا الحر، يتحقق نصرنا»، في مؤشر واضح على إدراك الناشطين الذين يقودون التحرك الاحتجاجي على الأرض لواقع تشتت الألوية والكتائب المقاتلة، الأمر الذي من شأنه أن يؤثر سلباً على المقاومة العسكرية.
وإذا كانت معظم هذه المجموعات تنضوي بشكل أو بآخر تحت مظلة «الجيش السوري الحر»، إلا أن هذا الجيش في الواقع لا يملك هيكلية واضحة وقيادة واحدة تأتمر كل الفصائل والألوية بأمرها.
ويقول قائد العمليات الميدانية في «لواء التوحيد»، عبد القادر الصالح، الذي برز في معارك مدينة حلب (شمال) الأخيرة، لوكالة «فرانس برس»: «قيادتنا وأوامرنا مستقلة. عندما قررنا دخول معركة حلب، قررنا ذلك من دون التنسيق مع المجلس العسكري» في حلب.
ويسأل الصالح «لماذا نتشاور؟ نحن نملك الوزن الأكبر من المقاتلين في حلب وريفها»، مضيفاً «نحن ننسق مع قادة ألوية لهم وجود فعلي على الأرض لا مع من هم وراء المكاتب».
ويصف الصالح الاجتماعات مع المجالس العسكرية التي تعقد تحت عنوان «التنسيق» بأنها «جلسات شكلية لاحتساء الشاي».
وشكلت منذ مارس/ آذار الماضي عشرة «مجالس عسكرية» في المحافظات السورية المختلفة تعمل جاهدة على تنظيم نفسها والتنسيق في ما بينها ضمن ما يعرف بالقيادة المشتركة للجيش السوري الحر في الداخل. وتتحلى هذه المجالس إجمالاً بانضباط عسكري أكثر من المجموعات الخارجة عن المجالس، كون قياداتها إجمالاً من الضباط الكبار المنشقين عن المؤسسة العسكرية.
وتبرز عبر وسائل الإعلام وصفحات التواصل الاجتماعي على شبكة الإنترنت عشرات لا بل مئات الألوية والكتائب والسرايا التي تقاتل ضد النظام السوري، وتحمل بغالبيتها أسماء ذات طابع ديني إسلامي.
فمن كتيبة البراء إلى لواء جند الله وأسود السنة وأسود الله ولواء الإسلام وكتائب الصحابة... وغيرها، تعكس الأسماء ثقافة دينية لا شك معممة في العديد من دول العالم العربي، لكنها تؤشر في بعضها إلى انتماء إسلامي أو سلفي متشدد.
ويؤكد قائد كتيبة في الجيش السوري الحر أن «مصدر التمويل الأساسي للألوية الإسلامية في الثورة يأتي من قطر وتركيا»، فيما تتلقى المجالس العسكرية في الجيش الحر «مساعدات من دول أخرى بينها السعودية والولايات المتحدة ودول أوروبية».
ويوضح مقاتل يقدم نفسه باسم ابو مصعب أن تمويل المقاتلين الإسلاميين مصدره «الخارج وتحديداً تنظيم القاعدة الذي يمول الجهاديين، بينما يمول الإخوان المسلمون الإسلاميين المعتدلين، في حين أن أثرياء سعوديين يدعمون المعتدلين والمتشددين على حد سواء».
ويقول خبير في الشئون السورية يتخذ من بريطانيا مقراً له لوكالة «فرانس برس» إن تيار الإخوان المسلمين يطغى على توجه لواء التوحيد، بينما «كتائب الفاروق» التي ذاع صيتها في معارك مدينة حمص في وسط البلاد «محسوبة على السلفية وتضطر إلى الظهور بمظهر إسلامي كإطلاق اللحى مراعاة للتمويل السعودي من دون أن يكون لأفرادها توجه إسلامي».
ويجمع ناشطون ومعارضون على أن الجهة التي تغدق أكبر كمية من المال والمساعدات والسلاح هي الإخوان المسلمون، مؤكدين أن الإخوان المسلمين يحاولون احتكار تقديم السلاح للمقاتلين والمساعدات للناس من أجل ضمان موقعهم المستقبلي في مرحلة ما بعد سقوط النظام.
ويرى الناطق باسم القيادة المشتركة للجيش الحر في الداخل، قاسم سعد الدين أن «انتشار الألوية الإسلامية والتكفيرية سببها تواني الغرب عن دعم الجيش الحر»، مشيراً إلى أن تمويل المجالس العسكرية يعتمد خصوصاً على رجال أعمال سوريين داخل سورية وخارجها، بينما مصدر السلاح «مستودعات النظام والغنائم التي استولينا عليها».
وحذر بأنه إذا لم يبادر الغرب إلى الدعم الفعلي «فسوف يسوء الوضع في اتجاه ازدياد عدد الإسلاميين وبالتالي تخرج الأمور عن السيطرة».
وتنبىء الانقسامات على الأرض بصراع حاد على السلطة في مرحلة ما بعد سقوط النظام، وتلقي بظلالها على سير العمليات العسكرية.
ويروي الناشط الإعلامي، رامي الحمصي «في إحدى المعارك في مدينة حمص قبل نحو شهر، سيطر الثوار على الشارع الرئيسي في حي باب السباع، إلا أن انسحاباً مفاجئاً لإحدى الكتائب من دون تنسيق مع الآخرين تسبب بخسارة الحي مجدداً ودخول القوات النظامية إليه». وتكررت هذه الاتهامات في أكثر من منطقة ومعركة في حلب وريف دمشق. وذكر بعض المقاتلين لوكالة «فرانس برس» أن بعض الكتائب اضطرت للانسحاب من بعض المعارك بسبب نفاد ذخيرتها، بينما مقاتلون ينتمون إلى كتائب أخرى يملكون الذخيرة ولا يسلمونها إلى رفاق السلاح.
ويقول ناشط سوري مقيم في لبنان وعلى اتصال بمجموعات مقاتلة كبيرة لـ «فرانس برس» طالباً عدم الكشف عن هويته إن «التنسيق قائم في أرض المعركة، بينما التنافس شديد على من يتولى القيادة ومن يحصل على المساعدات والذخيرة والمال». ويؤكد سعد الدين أن «الوضع الحالي يتطلب منا الآن لم الشمل وليس فتح السجالات»، مضيفاً «هدفنا بالنهاية واحد وهو إسقاط النظام».

السوريون يواجهون واقعهم المرير بسيل من «النكات»

اختار السوريون في مواجهة الأحداث الدموية التي تهز بلادهم منذ 17 شهراً الفكاهة، يستخدمونها في التظاهرات وتحت القصف وعلى صفحات التواصل الاجتماعي على الإنترنت، يتندرون بها على أنفسهم وعلى قدرهم، في محاولة لتحويل مأساتهم إلى ابتسامات.
ولمدينة حمص التي يعتبر أهلها محل تندر من سكان بلاد الشام ومن سكانها أنفسهم، حصة كبيرة في هذه النكات، على الرغم من القمع والدمار الذي لحق بـ «عاصمة الثورة السورية» ولكن من دون أن يثني أهلها عن المضي في حركة الاحتجاج والفكاهة في آن.
ويتناقل السوريون أن حمصياً كان يلهو بقذيفة أطلقتها القوات النظامية على المدينة ولم تنفجر. ولما حذره صديقه من أنها قد تنفجر، قال «لا تقلق، لدينا الكثير منها».
ويوم كانت حمص في وسط البلاد في واجهة الأحداث، ومدينة حلب في الشمال في منأى نسبياً عن حركة الاحتجاج ضد نظام الرئيس بشار الأسد قبل ان تنفجر فيها المعارك أخيراً، يروي أهالي حلب أن حمصياً وزوجته المحجبة دخلا حلب هرباً من القصف على حمص. وبعد مرور ساعات على وصولهما، لم يسمعا أصوات إطلاق رصاص أو قذائف أو اشتباكات كتلك التي تدمي منطقتهم، فقال الحمصي لزوجته أن تنزع حجابها لأنه يبدو أن «لا أحد في حلب».
ويروي السوريون أن أحدهم عاد إلى منزله مع دجاجة حية، وطلب من زوجته أن تذبحها وتطهوها، فذكرته زوجته بأنهما اضطرا إلى بيع كل أدوات المطبخ بسبب الحاجة إلى المال، وأن ليس لديهما غاز للطهي. فهتفت الدجاجة «يعيش بشار، يعيش بشار».
ويعاني السوريون من أزمة غاز ومحروقات. وقتل منذ منتصف مارس/ آذار أكثر من 23 ألف شخص بحسب المرصد السوري لحقوق الإنسان، وتقدر أضرار المعارك بأكثر من عشرة مليارات دولار، وقد ازدادت البطالة وتراجعت المداخيل.
وبالتزامن مع دورة الألعاب الأولمبية التي أقيمت أخيراً في لندن، احتلت الأخبار الرياضية الساخرة صفحات الناشطين المعارضين على «فيسبوك» لتعكس الواقع المعيشي في سورية، ومنها «المنتخب السوري يفوز بالميدالية الذهبية في حمل جرات الغاز وصعود السلالم».
وتواكب الفكاهة معظم التطورات الميدانية والسياسية في سورية، وقد كانت للانشقاقات حصة كبيرة من النكات.
وبعد انشقاق عدد من الشخصيات على مستوى عال، والشائعات المتكررة عن انشقاق نائب الرئيس السوري، فاروق الشرع باتت النكتة الأكثر شيوعاً تقول إن بشار الأسد يجبر نائبه على النوم إلى جانبه في فراش واحد في الليل خوفاً من هروبه، فيما تنام أسماء الأسد على الكنبة.
وبعد انشقاق رئيس الحكومة، رياض حجاب ضجت صفحات الناشطين السوريين المعارضين بصور لمسئولين جدد يقسمون اليمين أمام الرئيس «أقسم بالله أن لا أنشق وأن أبقى طرطوراً كما عهدتني».
وأثار انتقال حجاب وغيره من المسئولين المنشقين إلى الأردن المجاورة خيال أصحاب الفكاهة، حتى رسم أحدهم قاعة الجمارك على الحدود السورية الأردنية متخيلاً فيها أربعة طوابير: «أردنيون» و»عرب» و»دبلوماسيون» و»مسئولون سوريون منشقون».
ويحظى العسكريون المنشقون اللاجئون إلى تركيا بكم من النكات لابتعادهم عن ساحة المعركة في الداخل. وقد رفعت لافتات عدة في تظاهرات كتب عليها «عزيزي المنشق، الثورة السورية تجري في سورية وليس في تركيا».
أما انشقاق العميد مناف طلاس وتوجهه إلى باريس فدفع بأحد المتظاهرين في قرية كفرنبل في ريف إدلب (شمال غرب) إلى رفع لافتة كتب عليها «كتائب شارل ديغول بقيادة العميد مناف طلاس تسيطر على شارع الشانزيليزيه».
ولا تخلو التعليقات الساخرة من المعاني السياسية، مثل تلك التي تقول إن «سورية فازت في الألعاب الأولمبية بالميدالية الذهبية في الرماية، وقد حققها اللاعب الإيراني أكبر قناصي»، في إشارة إلى الأخبار التي يتداولها المعارضون حول استعانة النظام بقناصة ومقاتلين من حليفته إيران.
وعندما لا يجد الناشطون ما يسخرون منه قد يتحولون إلى السخرية من أنفسهم، على غرار ناشط حمصي صور شريط فيديو يظهر فيه دمار كبير وتسمع أصوات القذائف من حوله، وهو يشير إلى «دبدوب (دمية) مصاب ولا يقدر أحد على إنقاذه بسبب القناص». ثم يردد ما يقوله الناشطون الإعلاميون عادة خلال تصويرهم مجازر أو أحداث دامية، وهو يسلط الكاميرا على الدمية، «الله أكبر، أين العرب؟ أين المسلمون؟...».


صحيفة الوسط البحرينية - العدد 3636 - الثلثاء 21 أغسطس 2012م الموافق 03 شوال 1433هـ

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق