الأحد، 17 فبراير 2013

من الآراء السياسية للشهيد حسن الشيرازي


من الآراء السياسية للشهيد حسن الشيرازي
عبد الرزاق الفيلي
لقد عمل الشهيد حسن الشيرازي من أجل رفع راية الإسلام في عراق المقدسات منذ أن بدأ وعيه بالتبلور في أولى سنوات شبابه، أي في عقد الخمسينيات من القرن العشرين الميلادي.
كانت للشهيد قدرات متنوعة، لذلك لم يقصر عمله الإسلامي على مزاولة التحصيل الديني العلمي وتعليمه للطلبة بل تجاوزه. فقد مارس الدعوة إلى الإسلام والدفاع عنه في العديد من مناطق العالم كالعراق ولبنان وبعض الدول الأفريقية، وأسس الحوزات (المدارس) الدينية العلمية، وأنشأ الكثير من الحسينيات – التي تجمع المسلمين في صلواتهم وأفراحهم وأتراحهم -، وأنشد الشعر السياسي في العديد من المناسبات المهمة.
من خلال أبيات شعره سنتعرف على بعض المبادئ السياسية للشهيد الراحل حسن الشيرازي، وهي:
1- قيادة الدولة بأيدي العلماء.
لقد عبّرت الثقافة الإسلامية عن هذا المبدأ السياسي في كتب وأقوال وأحاديث كثيرة، أهمها قوله تعالى: (إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا) (المائدة: 55) و(يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا الكافرين أولياء من دون المؤمنين) (النساء: 144).
بالرغم من اختلاف فقهاء المسلمين حول صلاحيات القائد وطريقة عمله، إذ هناك نظريات ولاية الفقيه المطلقة وولاية الفقيه المقيدة وشورى المراجع والمرجعية الرشيدة والمؤسسة المرجعية، إلا أنهم اتفقوا على وقوفه في طليعة علماء الإسلام ومن أحرصهم على مصالح المسلمين ومن أكثرهم إلتزاماً باستغلال القرار السياسي الوطني ومن أصلبهم عوداً في مواجهة الخيانة والعمالة والخضوع للأجنبي أو الائتمار بأوامره.
إن بالإمكان معرفة مدى إيمان السيد الشهيد بهذا المبدأ من خلال كلماته التالية، التي خاطب بها أمير المؤمنين الإمام علي بن أبي طالب (ع) في الاحتفال الديني الذي أقيم في عام 1964م في كربلاء المقدسة بمناسبة ولادة هذا الإمام الهمام:-
فالشعب نحن وأنت أنت إمامنا ورعاتنا العلماء لا العملاء.
2- المطالبة بوحدة الأمة الإسلامية
لقد آمن السيد الشهيد بوحدة الشعوب المنتمية إلى أمة الإسلام وبوحدة الشعب المسلم في الدولة الواحدة، لأن تعدد الانتماءات والولاءات السياسية لأبناء هذا الشعب سيؤدي إلى ظهور مراكز قوى متصارعة – بسبب حرص بعض أصحاب تلك الولاءات على مصالحهم الخاصة أو تورطهم بفتنة مفتعلة من قبل قوى خارجية أو غير ذلك من أسباب.
إن بروز مثل هذه القوى وتورطها في صراعات سيؤديان إلى استنزاف طاقات البلد الإسلامي وتحويل نظامها السياسي من نظام متكامل، تتنافس فيه قواه السياسية المتعددة من أجل بناء الوطن بصورة أفضل، إلى نظام ناقص أو غير مكتمل، تتصارع قواه السياسية من أجل إبداله – أي من أجل استلام السلطة وإقامة نظام بديل، إن هذا المطلب أو المبدأ السياسي يمكن تحديده من خلال كلمات السيد الشهيد التالية:-
لا توجد الأحزاب في أوطاننا فمناورات تلك أو ألعاب
أما سبب استنتاج هذا المبدأ من هذه الكلمات فيعود إلى إيمان السيد الشهيد بقوله تعالى: ومن يتولى الله ورسوله والذين أمنوا فإن حزب الله هم الغالبون. (المائدة: 56).
إن هذه الآية المباركة قد أشارت إلى أن المسلمين حزب واحد وليسوا أحزاب متفرقة متطاحنة.
وقد عبر السيد الشهيد عن رفض الامتثال الحزبي بقوله:-
الحزب حزب الله ليس سواه في الإسلام أحزاب ولا أنصاب
إن هذه الكلمات قد استندت إلى قوله تعالى في كتابه المجيد: (فتقطعوا أمرهم بينهم زبراً كل حزب بما لديهم فرحون) (المؤمنون: 53).
3- المطالبة بتحقيق الاستقرار السياسي الداخلي
إن تحقق الاستقرار السياسي في أية دولة هو شرط أساسي لبناءها وتقدمها بصورة سريعة وآمنة. أما دخولها في حروب وصراعات داخلية فلن يجلب لها إلا التخلف واستنزاف الموارد الاقتصادية المادية والبشرية والوقوع في فخ المديونية الخارجية وربما الوقوع تحت سيطرة قوى دكتاتورية أو قوى استعمارية خارجية.
ولكي تتمكن دولة الإسلام من تحقيق نمو حضاري سريع فقد آمن السيد الشهيد بضرورة إدخالها في مناخ سياسي مستقر أو بعيد عن القلاقل والتوترات، وذلك ما يتضح من كلماته التالية:
يتنازع المستعمرون وإنما كبش الفداء شراذم وشباب
فضلاً عن إيمان هذه الكلمات بضرورة تجنيب بلاد المسلمين النزاعات فإنها قد آمنت أيضاً بالفكرة القائلة بأن بعض الصراعات المحلية ما هي إلا ترجمة لصراعات قوى استعمارية يقوم بها وكلاءها المحليون (الشراذم) وبعض الشباب المغفل المنساق وراء قوى لا تخاف رب العالمين ولا تؤمن بتعالميه ولا يهمها إلا تحقيق مصالحها والدفاع عن امتيازاتها.
4- ضرورة بناء نظام سياسي متكامل
في الدول التي تؤمن بالشورى الإسلامية، أو على الأقل بالديمقراطية النزيهة والبعيدة عن الغش والخداع والتي تحترم الآراء ولا تحول الخلاف بالرأي إلى سبب للصراع والامتثال بين أصحاب الآراء المختلفة، يسود الاستقرار والأمان، وذلك ما يجعلها قوية البناء ومرهوبة الجانب.
إن هذا النظام الذي تتصارع فيه كل القوى السياسية المحلية صراعاً سلمياً من أجل تحقيق مصالح الشعب أو الدولة، هو ما يسمى في علم السياسة المعاصر بالنظام السياسي المتكامل أما النظام الذي تتقاتل فيه القوى السياسية من أجل الوصول إلى سدة الحكم والسيطرة على البلاد دون منازع فيسمى في علم السياسة المعاصر بالنظام غير المكتمل، لأن صراع قواه السياسية ليس في داخله بل عليه.
لقد طالب السيد الشهيد بنظام سياسي متكامل ورفض النظام الذي تتصارع فيه القوى السياسية من أجل الفوز بالسلطة.
أن هذا المطلب يتضح من كلماته التالية:-
يتقاتلون على المناصب والذي سنَّ المبادئ أنها أبواب
في هذه الكلمات اعتبر السيد الشهيد الصراع على السلطة أو على النظام بمثابة صراع من أجل اقتحام أبواب جهنم.
5- ضرورة السلام والمحبة والتعاون بين أبناء الأمة
لقد أمر رب العالمين جميع المسلمين بالتوحد تحت راية الإسلام وكلمة الله أكبر من كل كبير مستعلي بسبب منصبه السياسي أو الطائفي أو ولاءه العشائري أو غير ذلك، وذلك في قوله في كتابه الكريم: (إن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاعبدون) (الأنبياء: 92).
إن هذه الوحدة الاجتماعية هي إحدى الوسائل المهمة لتحقيق وإدامة السلام في الوطن الصغير أو الكبير، وهي خير ما يعبر عن روح التعاون القائمة بين أبناء الأمة أو الشعب، وهي كذلك خير ما يدلل على تحابب هؤلاء الناس وابتعادهم عن العصبيات المعبرة عن انفلاق أفكار أصحابها وانانيتهم واستعلاءهم بدون مبرر شرعي.
إن كلمات السيد الشهيد الآنفة قد عبرت عن هذا المطلب السياسي:
والمشركون مذاهب ومشارب والمسلمون جميعهم أحباب
6- المطالبة بإعلاء كلمة الإسلام
إن الرسول محمد (ص) قد جاء الناس برسالة سماوية لتنظيم العلاقات بين الناس وبين المخلوق وخالقه، ولولا صلاح تلك الرسالة، بما تتضمنه من تعاليم وقابليتها للتطبيق ورعاية مصالح البشر على مر الأزمان لما جعلها رب العالمين أخر رسالاته إلى البشر، وتأكيداً على علو كلمة الإسلام قال جلّ وعلا في كتابه الكريم: وجعل كلمة الذين كفروا السفلى وكلمة الله هي العليا.(التوبة: 40).
إن هذه الحقيقة تكذّب إدعاء بعض أصحاب العقائد الوضعية بأفضلية أفكارهم ومبادئهم وسموّها وعلوّها على مبادئ الإسلام، بل إن هذه الحقيقة تتهم أصحاب هذه العقائد الضالة المضللة بالكفر وتزييف الحقائق ومحاولة الضحك على ذقون السذج والبسطاء وحسني النية.
لقد قال السيد الشهيد الكلمات التالية تعبيراً عن التزامه بمبدأ سمو كلمة الإسلام وأفضليتها على ما سواها من العقائد:-
أمل الشعوب ومجدها الإسلام وسواه كفر زائف وظلام
7- لا طائفية في الإسلام
إن الدين الإسلامي واحد، بالرغم من سماحه لبعض فقهاءه بالاجتهاد في استنباط الأحكام الشرعية من مصادرها الأساسية، لكن بعض ذوي المصالح الخاصة قد حولوا الاجتهاد بالرأي إلى سبب لتمزيق كلمة المسلمين وتحويلهم إلى طوائف دينية.
مع مرور السنوات وتعاقب الأجيال تحوّلت الطائفية إلى فتنة عمياء لا ترحم أحداً من المسلمين لأنهم جميعاً وقعوا ضحية ما جلبته من عنف وإرهاب في مناسبات عديدة وبسبب مجموعة من قصيري النظر أو ذوي المصالح الخاصة الأنانية لألحاقها الأذى بالمسلمين وتمزيقها لصفهم واستنزافها لقواهم وخيراتهم رفضن السيد الشهيد الطائفية، إذ قال عنها:
والطائفية ويلها من فتنة عمياء يوقظ حقدها الأقزام
والطائفية جددت تأريخها فإذا لها الحكام والأحكام
والطائفية لونت أزياءها وتطورت في عرضها الأفلام
لكنها هي لم تغير ذاتها فشعارها الإرهاب والإرغام
8- القرآن دستور الدولة.
إن استناد القانون الاساسي، اي الدستور، إلى اجتهادات أشخاص بعيدين عن تعاليم السماء سيعمل على تحكيم اجتهادات أولئك الأفراد في رقاب المسلمين، بالرغم من أن القرآن الكريم هو دستورهم أو الأساس الذي تقوم عليه باقي القوانين المنظمة لحياة الشعب والدولة الإسلامية وقد جاء في القرآن الكريم ما يؤكد هذه الحقيقة، كقوله تعالى:
- إنا سمعنا قرآنا عجباً. يهدي إلى الرشد فأمنا به. (الجن: 1- 2).
- إنا سمعنا كتاباً أنزل من بعد موسى مصدقاً لما بين يديه يهدي إلى الحق (الأحقاق: 30).
- (إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم) (الاسراء: 9).
لقد أمن السيد الشهيد بالمبدأ القائل بأن القرآن هو دستور الدولة الإسلامية أو بلاد المسلمين، وذلك ما يتضح من قوله:
دستورنا القرآن نهتف باسمه وشعارنا في العالم الإسلام
9- رفض الاستعمار
إن الاستعمار يعني فرض قوة ما لسيطرتها أو إرادتها على شعب أو أمة بهدف استعبادها واستغلالها، وهذا الوضع يتنافى مع ضرورة تمتع الإنسان بالحرية والاستقلال وحق تقرير المصير.
على أرض الواقع قامت العديد من الدول الصناعية، مستغلة تفوقها التكنولوجي على أرض الواقع، باستعمار شعوب عديدة في العالم، وذلك ما اشار إليه السيد الشهيد في قوله:
مشت الشعوب يقودها استعمار يحدو لها الصاروخ والأقمار
في هذه الكلمات أشار السيد الشهيد إلى التفوق التكنولوجي للدول الاستعمارية، بامتلاكها للصواريخ والأقمار الصناعية، كما اشار فيها إلى انقياد ض الواقع قامت العديد من الدول الصناعية، مستغلة تفوقها التكنولوجي على أرض الواقع، بها، وهذا ا لوضع من قوله:
الأفراد في رقاب الالشعوب الضعيفة وراء اصحاب هذه التكنولوجيا لقد استهجنت تلك الكلمات سيادة منطق القوة في العالم، لتؤكد على ضرورة نبذه لإدخال البشرية في عهد من السلام والأمان – تحترم فيه حقوق الإنسان ولا تداس بإقدام الأقوياء.
10- لا إرهاب في دولة الإسلام
إن الإرهاب المشار إليه هنا والمرفوض إسلامياً هو استخدام السلطة أو معارضيها أو كلامها لمنطق القوة بحجج غير صحيحة ولا تدعمها أحكام شريعة الإسلام.
وقد عبر السيد الشهيد عن هذا الإرهاب وتلك الذرائع الواهية المنافية للحقيقة بالكلمات التالية:-
وتطايرت باسم السلام حمائم من ريشها تتناثر الأقدار
إن هذه الكلمات قد أشارت إلى قوة سبق لها أن رفعت شعار السلام لكنها بدل أن تطير حمائم السلام طيرت لمعارضيها قنابل مختلفة، أوقعت بعضهم في الأسر وعرضت غيرهم للقتل والتشويه – كأنها وزعت أقدار مختلفة على أولئك المعارضين السياسيين.
وتأكيداً منه على رفض مبدأ الإرهاب فقد تحدث عنه مرة أخرى بهذه الكلمات: والعالم العملاق أصبح لعبة يجتاحها الإرهاب والإنذار.
11- ضرورة وضع الشخص في الوظيفة المؤهل لها علمياً وعملياً.
إن تعدد الوظائف العامة يتطلب وجود أشخاص ذوي مهارات خاصة ومتنوعة لكي تنجز مهام تلك الوظائف بكفاءة ودون هدر للجهود، وهذا ما يساعد على تسريع عملية التنمية الوطنية والنهوض بالبلد إلى مستوى حضاري أعلى وتقليص الحاجة إلى المساعدات والقروض الخارجية ويغني عن ربط الاقتصاد الوطني بمجهزي السلع الأجانب أما لو شغل أشخاص غير مؤهلين من الناحيتين العلمية والعملية وظائف معينة، خاصة المتعلقة بالمصالح العليا للمسلمين، لما نال الناس، سادتهم الحقيقيين وعامتهم، إلا الويل والثبور أو العذاب الشديد والمعاناة طويلة الأجل.
عن هذه الحقيقة قال السيد الشهيد:
ويل الشعوب شرارها أسيادها ويسود أسياد الشعوب شرار
12- الإيمان أساس التنمية
منذ مئات السنين ابتليت أمة الإسلام بالعديد من ظواهر التخلف كأنتشار الفقر والأمراض والأمية. وبالرغم من التطور العلمي الذي شهدته البشرية منذ القرن التاسع عشر لا زالت أمة الإسلام تعاني بهذا القدر أو ذاك من ظواهر التخلف.
لقد اعتقد السيد الشهيد بأن الطريق الوحيد الممكن للمسلمين أن يسلكوه للتخلص من تلك الظواهر هو تحكيم شريعة الإسلام في بلدانهم، إذ قال:
قل للعزيز أصابنا الضراء فحياتنا داء وأنت دواء
إن طريق النجاة هذا قد أشير إليه في القرآن الكريم في عدة آيات، مثل:-
- (فقلت استغفروا ربكم أنه كان غفارا. يرسل السماء عليكم مدراراً. ويمددكم بأموال وبنين ويجعل لكم جنات ويجعل لكم أنهاراً) (نوح: 10 – 12).
- (ولو أن أهل الكتاب أمنوا وأتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء والأرض) (الأعراف: 96)
13- الحاكم خادم المحكوم.
إن استلام فرد أو مجموعة لقيادة البلاد لا يبرر له أو لهم الاستعلاء على الجماهير الخاضعة لحكمهم، لأن السلطة تكليف وليس تشريف، كما أن اشغال هذه الوظيفة يوجب على شاغلها التفكير الدائم بمصالح المحكومين إن الالتزام بهذا الواجب وأمثاله يظهر مقدار ما يحمله صاحبه من روح تضحية وإيثار، ومقدار نبذه لأخلاق مذمومة في التشريع الإسلامي – كالأنانية والتكبر علىالناس.
إن السيد الشهيد قد حث الحاكم في بلاد المسلمين على التحلي بروح التضحية، وذلك ما يتضح في قوله التالي الناقد للحاكم الذي لا يفكر بمصلحة الشعب:
والشعب آخر من يفكر فيه مسؤول وأهداف الورى أهواء
لا ذل إلا للشعوب وإنما للحاكمين الكبر والغلواء
لقد امتدح رب العالمين الحاكم المتواضع لأبناء شعبه والذي يؤثر مصالحهم على مصالحه، إذ قال سبحانه في كتابه الكريم (ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة) (الحشر: 9)
و(فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فضاً غليظ القلب لانفضوا من حولك فاعف عنهم واستغفر لهم وشاورهم في الأمر فإذا عزمت فتوكل على الله إن الله يحب المتوكلين) (آل عمران: 159).
14- ضرورة اهتمام الحاكم بالفقراء.
في التشريع الإسلامي هناك عدة مبادئ وطرق لمواجهة ظاهرة الجوع أو الفقر أو العوز في المجتمع الإسلامي، باعتبارها إحدى علامات سوء توزيع الدخل الوطني في بلاد الإسلام وأمراً سلبياً مهدداً لأمن المجتمع واستقراره وواقعاً مرفوضاً واجب التغيير.
إن الزكاة والخمس والكفارات والنذور والفيء هي بعض أهم وسائل الإسلام وتشريعاته لمكافحة مظاهر الفقر.
استناداً إلى مبادئ الإسلام المعادية لظاهرة الفقر فقد انتقد السيد الشهيد أي حاكم يرفض معالجة تلك الظاهرة، وذلك ما يتضح من قوله:
فمن الذي في الكوخ أبصر حاكماً قد ارقته حشاشة سغباء
15- المطالبة بعدالة توزيع الدخل
إن العدالة هي إحدى أهم صفات قائد المجتمع الإسلامي. ومن مصاديق تحلي القائد بهذه الصفة هي حرصه على توزيع الدخل الوطني دون تحيز ومحاباة لفرد قريب أو عشيرة أو حزب أوطائفة أو منطقة جغرافية، لكي لا تظهر في الدولة طبقة ثرية متمتعة بالخيرات ومرفهة وأخرى محرومة من أبسط مقومات الحياة.
إن هذه العدالة لن تجعل المجتمع الإسلامي في معاناة طويلة أو قصيرة الأجل من ظاهرة التفاوت الطبقي، التي أرقت أمم وشعوب كثيرة وتسببت في انهيار نظم سياسية وبروز أخرى ووفاة الكثيرين بسبب الفقر والأمراض الناجمة عنه.
إن هذه الحقائق هي التي دفعت السيد الشهيد لنقد الحاكم غير العادل حيث قال:
أو من يواس المسلمين فلا يحيف به العطاء ولا يجور قضاء
إن هذه الكلمات قد ذكرت حكام المسلمين بعدالة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (ع) في توزيع العطاءات على أبناء الأمة ومشاركته فقراءهم في جشوبة العيش.
16- المطالبة بسلطة لا تعتدي على المال العام
لقد أوصى الإسلام اتباعه بحفظ الأمانة واستهجن وهدد بالعقاب كل من يتصرف بها بسوء أو يرفض إعادتها إلى أصحابها، إذ قال تعالى في كتابه الكريم: (إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها) (النساء: 58) و(فإن أمن بعضكم بعضاً فليؤد الذي اؤتمن أمانته) (البقرة: 283).
ولكون الأموال الموجودة في بيت المال (الخزينة العامة) هي ملك الأمة فإن على المؤتمنين عليها، أي مختلف موظفي الحكومة، إدارتها بكفاءة والامتناع عن الاعتداء عليها.
على ضوء هذه التعاليم الإسلامية انتقد السيد الشهيد السلطة التي تعتدي على أموال الشعب بهذه الطريقة أو تلك، إذ قال:
سلب الرفاق ثرى الورى وثراءهم فغدوا حيارى لا ثرى وثراء
من خلال السطور السابقة نتعرف على بعض ملامح المشروع السياسي للسيد الشهيد حسن الشيرازي.
 

جهاد الشهيد آية الله السيد حسن الشيرازي ضد حكم الطاغوت في العراق

جهاد الشهيد آية الله السيد حسن الشيرازي ضد حكم الطاغوت في العراق

القصيدة الميمية التي استشرفت مخططات حزب الطاغوت وكشفت زيفه
 
احتلت القضية العراقية، ومناهضة الحكام المستبدين الذين تعاقبوا على حكم بلد المقدسات، موقعاً متميزاً في المسيرة الجهادية لآل الشيرازي، لا سيما المفكر الإسلامي الشهيد آية الله السيد حسن الشيرازي – قدس سره الشريف – الذي لم يفتر قط في الدفاع عن حقوق الشعب العراقي الذي انهكه حكم الاستبداد، والذود عن حرمة الأماكن المقدسة وتخليصها من دنس الحكام المارقين، مع طرح البديل الذي يتطلع إليه ذلك الشعب المؤمن، والمتمثل في حكم الإسلام الأصيل والقائم على الشورى والتعددية واحترام الرأي الآخر والأخوة الإسلامية والأمة والواحدة.. ورفض كل فكر مستورد يريد أن يسلخ الأمة من هويتها، وينأى بها عن تراثها الغني بالقيم والفضائل الإنسانية السامية. الأمر الذي يمكن لمسه بيسر في خطب سماحته – قدس سره – وأشعاره التي كان وقعها وقع الصواعق على الحكومات الطاغوتية. وقد كلفه ذلك الكثير من المعاناة والآلام أقلها الاعتقال، والهجرة تالياً إلى لبنان، ليواصل هناك مسيرته الجهادية والعلمية التي أمتدت آثارها إلى مختلف الأقطار والنواحي في أوربا وآسيا وأفريقيا، حتى اغتالته أيدي العملاء الصداميين في العاصمة اللبنانية بيروت.
* استولى عبد السلام عارف على الحكم.. وقفز أحمد حسن البكر إلى مركز رئاسة الوزراء – بأمر من...! – وبدء في تنفيذ المخططات الشيطانية التي عُين من أجلها.
وهنا.. أعلن آية الله الشهيد السيد حسن الشيرازي الحرب على هذه الزمرة، وجعل يفضحهم وهم حكام وبيدهم القوة.
وفي طليعة ما قام به (رحمه الله) ضدهم هي كلمته وقصيدته التي كشفت أوراقهم وأزاحت الستار عن عمالتهم وخيانتهم.
فلقد أقام أهالي كربلاء، المهرجان السنوي العظيم في ذكرى ميلاد سيد الأوصياء الإمام أمير المؤمنين علي (عليه السلام) في نفس الحسينية، وبنفس العظمة والفخامة والزينة، وطلبت لجنة الاحتفال من الشهيد المعظم أن يشترك في المهرجان، لإلقاء كلمته وقصيدته في الجماهير المتلهفة إليه، المتشوقة إلى سماع حديثه.. فلبّى (رحمه الله) طلبهم، وألقى كلمة أثارت ثائرة العفالقة وخططوا لاغتياله أو سجنه، إلا أنه هاجر إلى لبنان – في هجرته الأولى عام 1964م – حيث استقر هناك لفترة، وأسس (دار الصادق) لطبع ونشر وتوزيع الكتب الإسلامية.
والآن.. إليكم كلمته وقصيدته الرائعتين:
بسم الله الرحمن الرحيم
سلام على ضيوفنا الكرام ورحمة الله وبركاته.
سلام الله على الحفل الكريم وتحياته وبركاته.
يحتفل المسلمون اليوم، وتحتفل معهم العبقريات البشرية والضمائر الحرة بمولد انتظرته الأجيال، واشرأبت إليه الإنسانية المعذبة، بكل تطلعاتها وآمالها ليخرجها من الظلمات إلى النور، ألا وهو بطل الإسلام الخالد الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام.
فلقد ولد الإمام واستقبله الرسول الكريم، وأشرف على صياغته، حتى طبع فيه نفسه فكان وزيره الذي كان يسمع ما يسمعه الرسول، وتوسعت ثقافته حتى قال: (والله إني أعلم بطرق السماوات من طرق الأرض) وأضاف قائلاً: (لو كُشف لي الغطاء ما ازددت يقيناً) وكذلك اختاره النبي الأكرم تاج رأسه. ورأس ماله الذي تحدث عنه قائلاً: (علي مني بمنزلة رأسي من بدني).
ولقد تشبع الإمام من الإسلام والقرآن، حتى لم تكن تنبض مشاعره إلا بالحق والقرآن، ولذلك صحت فيه أقوال الرسول العظيم صلى الله عليه وآله (علي مع القرآن والقرآن مع علي)، (علي مع الحق والحق مع علي)، (علي باب حِطّة من دخل منه كان مؤمناً ومن خرج منه كان كافراً) (علي مني بمنزلة هارون بن موسى ألا أنه لا نبي بعدي) (علي يزهر في الجنة ككوكب الصبح لأهل الدنيا) (عنوان صحيفة المؤمن حب علي بن أبي طالب) ثم خاطبه الرسول قائلاً:
(يا علي لا يحبك إلا مؤمن ولا يبغضك إلا منافق).
ولقد أكبر عمر بن الخطاب هذه الحقيقة حينما قال: (كنا ننظر إلى علي في أيام رسول الله كما ننظر إلى النجم) ولقد كان علي أحد ركني الإسلام في كلام الرسول حيث قال: (لولا سيف علي ومال خديجة لما قام للإسلام عمود).
وأصبح علي كل الإسلام عندما أصبح عدوّه كل الشرك في (يوم الخندق) عندما قال الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم (برز الإيمان كله إلى الشرك كله) ثم كانت (ضربة علي يوم الخندق أفضل من عبادة الثقلين) ولولا تلك الضربة المدوية لم يكن اليوم على وجه الأرض إنسان واحد مسلماً.
وحتى لو سكت القرآن والرسول عن فضل علي عليه السلام لنطقت صفاته وآثاره، بكل ما يعلو ويزيد، أوليس هو الذي كتم أعداؤه فضائله بغضاً وكتم انصاره فضائله خوفاً ثم ملأت ما بين المشرق والمغرب، حتى لو أنكره الناس جميعاً، لهتفت بعظمته الأرض والسماء وقدّسه موضع كل فتكة سيف، ونبضة فكر؟ أو ليس هو الذي هتف له جبرئيل بين السماء والأرض: (لاسيف إلا ذو الفقار ولا فتى إلا علي)؟
وهكذا.. لا يكون لي إلا أن أقف أمام عظمته المعجزة، كشاعر يعتصر قلبه صوراً وألواناً، تكريماً لتلك البطولة الواسعة، التي لا يحيط بها البيان، ولا يستوعبها الفكر، مردداً:-
حاشاك أن تســـمو إليــك ســماء
ومــتى يحــلّق نحــوك العــظـماء؟
أولست ساقي الحوض أنت وقاسم الـ
وبــــأمــره الأرحــام والأرواح والأ
وبــكــفــه تــتــصــرف الأجــــــواء
أعــــــداؤه عــــبدوه لا أبـــــــنــاؤه
فــي مــدحــه أقــصى الــثناء هجاء

يــا مــن لـــه الآيــات والأحــكــــام
أنــت الــصــراط المستـقيم وأنك ألـ 
فـد أعــلــن المختار – يوم الدار -:
وبــيــوم خُــمّ قــــد عــلا وبــكــفّــه
(مــن كــنــت مــولاه فهــذا حــيــدر
(وأنــا الــمديــنة للعــلوم وبـــابــها
عَــلــمٌ طَــوى عــلــماً، وأعلى راية

يــــا مــن بنورك قــامــت العــلياء
(عــلــوية) غــــراء لا (أمــويــــة)
فــالشعــب نحــن وأنــت أنت إمامنا

كــم ذا جــنى الأذنــــاب والأحــزاب
لا تــوجــد الأحــزاب في أوطــانــنـا
يــتــنازع الــمستعــمــرون وإنــمـا

يتــقــاتلون عــلى المـناصب والذي
فَــهمُ أتــوا بالــفــوضــوــية فــجــأة
وتــقاتــل الهــــمَج الــرعــاع لأنــه
فــــلكل حــــزب قــادة مــدســوســة
الــحزب حــزب الله ــليس سواه في
فهــو الــذي انــهارتْ عــلى أعتابه
والمشــركون مــــذاهب ومــشارب
أَمــل الشعــوب ومجــدهــا الإســلام
فــدع الــمــبادئ كـــلها في مــعــزل
واعــمل لتــطبـيق الكــتاب مجـاهداً
واسحــق جـباه الملحــديــن مُــردداً
والــطــائــفــية ويــلها مــن فــتــنة
والطــاــئفــية جــددّت تــاريــخــهــا
والــطــائـفــية لــوّنــت أزيــاءهــــا
لــكــــنهــا هي لــــم تغــيّــر ذاتــهــا
دستــورنــا القــرآن نهتــف باسمه
وزعــيمــنا الكــرّار لا ميــشيــل لا

مَشــتِ الشعــوب يقـودها استعمار
وتطــايرتْ باســم الســلام حــمائــم
ويــل الشعــوب شــرارها أسيـادها
والعــالم العــملاق أصــبح لــعــبة
قــد آن نــخـــتــار نــحــن مصيـــره
قُــل للعــزيــز أصــابــنا الــضـــرّاء

أرض العــــراق مجـــــازر ومــآتــم
والشعــب آخر ما يفكر فيه مسؤول
والــــشعــــــب إن يُــــــذكــــــــــــر
والشعــــب للحـــكام ملحمة الهوى
لا ذلَّ إلا للــــشعــــــوب وإنــــــمــا
فمـــن الذي في الكوخ أبصر حاكماً
أو هـــل عرفــتم حاكماً يطوي على
أو هــل سمعــتم أن مسؤولاً كَسَتْهُ
أو مــــن يواســــي المســـلمين فلا
إلا عــــــليا مــــن تعــــالى قَــــــدره

سَلَب الرِفاق ثرى الورى وثَراءَهم
لكــــــنما الفــــــقراء أدقــع فقرهم
والاشــــتراكيون أضحــوا بــروجُوا
داســوا عفاف المحصنات لأنهم لــ
والنــاس عــندهمُ شُعــوبيــّون قــد
وهــــم الــشيــــوعــــيون إلا أنــــه
لــو لــم يكــونوا ملحدين لما رضَوا
لكــــنهم راــــموا قــــيادة عــــفــلق
أو لــــيس قــــد سمّاه يَـعربُ عفلقا
وأبــــوه جــاء لســوريا مستــعمراً
هــــذي العــروبة لا عــروبة مسلمٍ
كــما جــرّبوا في الشعــب حُريّاتهم
ثــم انــثنــوا والــناس أحــياء وهم
دُفــنوا بأيــديهــم وأيــدي شعــبـهم
حــكموا فــلم يضحــك لهم ثغر وقد
جــاؤوا فــكــانــت لعــنــةٌ حمــراء

ويــل العــراق فَــليــله لا ينــــقضي


* * *
أنــت الــفــضاء وما سواك هباء
والِســر أنــت وغــيــرك الأسماء
جــنات والنــيران كيــف تشــاء؟؟
رزاق والغــبــراء والــخــضــراء
فــكأنــه فــوق الفــضاء فــضــاء
(والفــضل ما شهدت به الأعداء)
حــتى استــوى الــبلهاء والبلغاء

ولــه قــلوب العــالــمــين مقــام
نــبأ العــــــظيــم، وأنــك العــلاّم
أن وصــيي الكــرّار، وهـو غلام
أعــلى عــلياً، وانــبرى الإلهــام
مــولاه) وهــو لــمن سواه إمــام
الــكرار) وهــو القــائد المِقـــدام
تُــطــوى وتُــنشر باسمها أعــلام

عــدْ نحــونا لــتشعّ منــك ســناء
غــواء، يــنشد (بعــثها) غوغاء
ورعاتــنا (العــلماء) لا (العملاء)

فــلــتسقــط الأحــزاب والأذنــاب
فمــناورات تــلك أو ألــــــعــــاب
كــبش الفــداء شــراذم وشبــاب

سَــنَّ المــبــادئ أنــهــا أبــواب
ومضــوا بهــا وتــتابعت أحزاب
حــقّــتْ علــيهم لعــنى وعــذاب
يحــدو لهــا مستعــمر نصّــــاب
الإســلام أحــزاب ولا أنصــــاب
الأحــــزاب والأنــصاب والآراب
والــمسلــمون جميعُــهم أحــباب
وســواه كــفــر زائــف وظــــلام
أن الــمــبادئ كــلــهــا هــــــدام
إن العــقــيدة مصــحف وحســام
لا الســجن يُــرهـبني ولا الإعدام
عــمياء يوقــظ حقــدها الأقــزام
فــإذا لهــا الحــكــام والأحــكــام
وتــطــورت في عــرضها الأفلام
فشــعارها الإرهــاب والإرغــام
وشعــارنــا في العــالم الإســلام
ماركس لا القسـيس لا الحاخــام

يحــدو لهــا الصــاروخ والأقـمار
مــــن رِيـــشـها تـتـنـاثر الأقــدار
ويســود أســياد الشعــوب شرار
يــجــتاحــها الإرهــاب والإنــذار
مــن قـــبـل أن يخــتاره الــكــفار
فحــيـاتــنــا داء وأنــت دواء (1)

الــــرافــدان مــدامــع ودمــــاء
وأهــــداف الــــــورى أهــــواء
فـللـتـضـلـيل لا ليسوده الحكماء
وولــيــمة يرتــادهــا الأمــــراء
للــــحاكمــيــن الــكِــبْر والغلواء
قــد أرّقــتــه حشــاشــة سغباء؟
جــوع ليــأكل قُــوتَه الفــقــراء؟
قــطــيــفة ولــه الــفــلاة فــنــاء؟
يَحيف به العطاء ولا يجور قضاء؟
وتــقــدست بســمــائه الأســمــاء

 فغــــدوا حــيارى لاثــرى وثراء
والأغــنــياء غــدَوا وهــم فقراء
زِيــيّــن في جــمع الــثراء سواء
ُقــطــــاء لــــم يُــعـرف لــم آبــاء
ســادتــهم الرجــعــية الــســوداء
زادتــهــم الأمــويــة الــنــــــكراء
بالمــشركــين وفــيــهم دُخــــلاء
إذ لــم يــكــن فــيــهم لــه أكــفاء
ولــديــه أحقــــاد الصــليب دمــاء
والأم بــــــاريــســيــة عــجــمــاء
حــمــلــت بــه وطــنــية عــربــاء
 وانصــبّــت الحــمراء والصفراء
أمــوات أو دُفــنوا وهــم أحــيــاء
والــحــزب إن دواءه الافــــنــــاء
سقطوا فــلم تــنــحب لهــم خرساء
ومــضوا فكــانــت فــرحــة بـيضاء

حــــتى تــــقــوم حــكــومة الإسلام
والسلام عليكم...
بقي السيد الشهيد حسن الشيرازي – قدس سره الشريف - في لبنان حتى أزيح العفالقة عن الحكم في العراق واستبد عبد السلام عارف بالحكم. وتكبر وتفرعن، وراح يجدد النزعات الجاهلية التي قضى عليها الإسلام، فزرع بذور الطائفية والعنصرية، ودعا إلى استعادة مجد بني أمية (!) الذين لعنهم الله تعالى في القرآن بقوله: (والشجرة الملعونة في القرآن) ولعنهم رسول الله (ص)...
وعندئذ عاد الإمام الشهيد إلى العراق، ليعيد الكَرّة على عبد السلام عارف وجاهليته.


(1) يخاطب الإمام أمير المؤمنين عليه السلام، متضمنا لقوله تعالى: (يا أيها العزيز مسنا وأهلنا الضر، وجئنا ببضاعة مزجاة، فأوف لنا الكيل، وتصدق علينا أن الله يجزي المتصدقين).
 

ثلاثة أيام عجاف


ثلاثة أيام عجاف

  • عقيل ميرزا
  • عقيل ميرزا ... سكرتير التحرير
  • aqeel.mirza [at] alwasatnews.com

المشهد في البحرين خلال الأيام الثلاثة العجاف الماضية لا يحتاج إلى توضيح لنرى كيف أن وطننا ينزف بغزارة من كل جوارحه.
مشاهد تشييع الضحايا، إغلاق منافذ عشرات المناطق مرة بحواجز المتظاهرين ومرة بالمركبات الأمنية المتنوعة، سُحب الدخان المتلبدة في سماء البحرين مرة بالغازات المسيلة للدموع ومرة بدخان الإطارات، الشوارع العامة والرئيسية مرة تراها خالية كئيبة، ومرة تراها مغلقة بإحكام تماماً كما نرى كيف أن كل منافذ الحل مغلقة هي الأخرى.
يوم أمس (السبت) حتى أصل من المنامة إلى مبنى الصحيفة في منطقة ابوصيبع / الشاخورة احتجت لأكثر من 3 ساعات متواصلة لأقطع مسافة لا تحتاج لأكثر من 10 دقائق؛ فأهم الطرق السريعة مغلقة بحواجز أمنية، ما دعا الناس إلى الانقضاض على الشوارع الفرعية والداخلية في وسط الأحياء التي كانت طرقها تشبه ساحات الحرب فانسدت تلك الطرق الضيقة هي الأخرى لعدم قدرتها على استيعاب هذا الازدحام الكبير، حتى أنني اضطررت لكتابة هذا المقال وأنا محشور بين طوابير السيارات غير المتناهية.
يوم أمس كان الطريق طويلا على الجميع يشبه في طوله وعتمته الطريق إلى نهاية النفق الذي تسير بداخله بلادنا الحبيبة، ولا تعرف موعد الخروج منه بحل تنتصر به كل البحرين.
الجميع بداخل سياراتهم كانت أصابعهم على هواتفهم الذكية وعقولهم قبل أعينهم تغوص في أعماق شاشات هواتفهم، بلا شك كان الواحد منهم يراقب الوضع بعينه اليمنى على «تويتر» وبعينه اليسرى على «الانستغرام» كلهم يبحثون عن خبر يثلج الصدر ولكن كل الأخبار والتغريدات والصور كانت وقتها تلهب الصدر فوجوه الجميع كانت مكفهرة تحكي الوضع بلسان عربي فصيح.
لا يجب أن ينزف الوطن أكثر مما نزف طوال عامين قاحلين، فكل قطرة ينبضها قلب البحرين تزننا جميعاً، من أجل ذلك نحتاج إلى فتح منافذ الحل الذي يأخذ بالبلاد إلى مرتع تأوي إليه من وجع يؤرق الجميع.
عقيل ميرزا
صحيفة الوسط البحرينية - العدد 3816 - الأحد 17 فبراير 2013م الموافق 06 ربيع الثاني 1434هـ

اطبع الصفحة حفظ الصفحة

كشكول







الخميس، 14 فبراير 2013

حرية التعبير... بين تكميم الأفواه والقذف


حرية التعبير... بين تكميم الأفواه والقذف
حيدر الجراح
 
شبكة النبأ: كثيرا ما يردد ساسة العراق والكتاب، عبر الصحافة والاعلام عبارة تكميم الافواه في احاديثهم الاعلامية، وكثيرا ما ترد الكلمة على لسان الصحفيين والاعلاميين ايضا في معرض تعليقهم على اي تصريح او قانون يصدر من الحكومة او الهيئات التشريعية.
هذه الكلمة لا يقتصر ترديدها على العراق فحسب، بل تمتد الى اجزاء واسعة من العالم شرقه وغربه، متسلحة بحقوق اساسية لعل ابرزها الحق في حرية التعبير، عبر جميع الوسائل العلنية، من صحافة وتلفزيون واذاعة ومواقع الكترونية، ومواقع التواصل الاجتماعي.
اخر التصريحات من هذا القبيل، ما ذكره السيد مقتدى الصدر، تعقيبا على تهديد دولة القانون برفع دعوى قضائية ضد النائب صباح الساعدي، بعد تصريحاته الاخيرة، قال السيد مقتدى الصدر: (تكميم الافواه بات واضحا في العراق ودليل ذلك هو تهديد الاخ العزيز الشيخ صباح الساعدي بالاعتقال لملفات وتهم لا دليل عليها في اذهان من يعارضهم).
وامتد هذا التعبير في العراق حتى الى مجال كرة القدم، حيث صرح اللاعب  نشأت اكرم ( إن عملية إبعاده تأتي  في إطار سياسة تكميم الأفواه التي يمارسها الكادر التدريبي واتحاد الكرة ضد اللاعبين الذين يصرحون بما لا تشتهي سفنهم).
وفي احدث تطور حول حرية التعبير، ما كشف عنه رئيس لجنة الثقافة والإعلام البرلمانية عن موافقة رئاسة مجلس النواب على طلب اللجنة بإيقاف تشريع قانون جرائم المعلوماتية, مبينا أن اللجنة أرادت تلبية مطالب اغلب المنظمات والمثقفين التي تقضي بعدم إقرار القانون وخاصة بعد تغير الوضع الأمني إلى الإيجاب في العراق. وأضاف أن (القانون حمل الكثير من الفقرات التي تحوي عقوبات).
وفي ذات السياق، اشارت وثيقة للجنة الثقافة والإعلام البرلمانية (اللجنة حضرت عدة مؤتمرات وحلقات نقاش خاصة لمشروع قانون جرائم المعلوماتية وأخرها ما نظمته اليونسكو)، موضحة أن (المؤتمرات رفضت المشروع وعدته انتكاسة للحريات في العراق).
وانتقدت منظمة هيومن رايتس ووتش المعنية بمراقبة حقوق الإنسان، في 12 تموز عام 2012، قانون جرائم المعلوماتية، معتبرة انه (يقيد حرية التعبير ويهدد الصحفيين الذين يكشفون وقائع الفساد).
وبحسب التعريف القاموسي فإن حرية الرأي والتعبير هي (الحرية في التعبير عن الأفكار والآراء عن طريق الكلام أو الكتابة أو عمل فني من دون رقابة أو قيود حكومية بشرط ألا تمثل طريقة ومضمون الأفكار أو الآراء ما يمكن اعتباره خرقاً لقوانين وأعراف الدولة أو المجموعة التي سمحت بحرية التعبير ويصاحب حرية الرأي والتعبير على الأغلب بعض أنواع الحقوق والحدود مثل حق حرية العبادة وحرية الصحافة وحرية التظاهرات السلمية).
كثيرا ما يحتدم الجدل حول حرية التعبير وحدوده في العراق وغيره من الدول، وتهمنا تجربة العراق والتي هي جديدة، نشأت بنشوء النظام الجديد بعد العام 2003 وما افرزه من ظهور صحف وفضائيات ومنظمات مجتمع مدني تعنى بحرية التعبير وتدافع عنه.. ثمة ما هو غائب في الكثير من هذه الجدالات وهو، الى اي حد يمكن ان تصل حرية التعبير، او ما هي حدود الممارسة التي تقف عندها حرية التعبير؟.
لقد أصبحت مسألة حرية التعبير عن الرأي مثارَ جدل في العديد من الدول والمجتمعات، الأمر الذي دفع ببعضها لوضع معايير خاصة تمثل إطارا عاما للمساحة الممكنة في التعبير كما هو الحال في الولايات المتحدة -على سبيل المثال- التي وضعت المحكمة العليا فيها مقياسا لما يمكن اعتباره إساءة أو خرق لحدود حرية التعبير، ويسمى باختبار (ميلر) الذي بدأ العمل به في عام 1973 ويعتمد المقياس على ثلاثة مبادئ رئيسية وهي:
1- إذا كان غالبية الأشخاص في المجتمع يرون طريقة التعبير مقبولة.
2- إذا كانت طريقة إبداء الرأي لا تعارض القوانين الجنائية للولاية.
3- إذا كانت طريقة عرض الرأي يتحلى بصفات فنية أو أدبية جادة.
كثيرا ما يختلط والحال هذه مسالة تكميم الافواه التي يتحدثون عنها، ومسائل السب والشتم والقذف والتشهير، واكاد اجزم انه لو تمت مقاضاة كل من يمارس تلك الاعمال في الصحافة او التلفزيون لما وجدت غير خمسة او عشرة بالمائة من لا يكون خلف القضبان وقتها.
إن المراد بالسب في أصل اللغة الشتم سواء بإطلاق اللفظ الصريح الدال عليه أو بإستعمال المعاريض التي تومئ إليه و هو المعنى الملحوظ في إصطلاح القانون الذي إعتبر السب كل إلصاق لعيب أو تعبير يحط من قدر الشخص نفسه أو يخدش سمعته لدى غيره و المرجع في تعرف حقيقة ألفاظ السب أو القذف هو بما يطمئن إليه القاضي في تحصيله لفهم الواقع في الدعوى ، ما دام أنه لا يخطئ في التطبيق القانوني على الواقعة كما صار إثباتها في الحكم و لا يمسخ دلالة الألفاظ التى يحيلها عن معناها ، إذ أن تحرى مطابقة الألفاظ للمعنى الذي إستخلصه الحكم و تسميتها بإسمها المعين فى القانون سباً أو قذفاً أو عيباً أو إهانة أو غير ذلك هو من التكييف القانوني الذي يخضع لرقابة محكمة النقض ، كما أنها هي الجهة التي تهيمن على الإستخلاص المنطقي الذي يتأدى إليه الحكم من مقوماته المسلمة .
والقذف حسب التكييف القانوني له هو: يعد قاذفا كل من اسند لغيره أمورا لو كانت صادقة لأوجبت عقاب من أسندت إليه بالعقوبات المقررة لذلك قانونا او أوجبت احتقاره عند أهل وطنه، ومع ذلك فالطعن في أعمال موظف عام او شخص ذي صفة نيابية عامة او مكلف بخدمة عامه لا يدخل تحت حكم الفقرة السابقة اذا حصل بسلامة نية وكان لا يتعدى أعمال الوظيفة او النيابة او الخدمة العامة وبشرط ان يثبت مرتكب الجريمة حقيقة كل فعل اسند اليه ولا يغنى عن ذلك اعتقاده صحة هذا الفعل.
كذلك فإنه على الصحفي في واقعة تصديه بالقذف في حق أحد الأشخاص العامة أن يقدم ما يدل علي أمرين مهمين‏:‏ ــ صحة الوقائع‏(‏ يقترب من إثبات ذلك ولو بصفة اولية‏).‏ حسن النية‏:‏ بمعني أن يعتقد الصحفي بمشروعية وصحة ما يقول‏,‏ وأن يكون اعتقاده مبنيا علي أسباب معقولة‏.‏ ذلك أن ركن حسن النية في جريمة القذف يتمثل في أن يكون الطعن صادرا عن حسن نية‏,‏ أي الاعتقاد بصحة وقائع القذف ولخدمة المصلحة العامة‏,‏ وليس عن قصد للتشهير والتجريح.
فعلي الصحفي أن يقدم بيانا بالأدلة علي صحة وقائع القذف مثل صور المستندات وأسماء الشهود‏,‏ وبعد ذلك يترك الأمر للنيابة التي تقوم بتحقيق هذه الأدلة‏,‏ حيث تستخدم سلطاتها لاستدعاء الشهود‏,‏ وطلب أصل المستندات الدالة علي صحة وقائع القذف‏,‏ وتحقيق هذه المستندات‏(‏ د‏.‏ محمد باهي أبو يونس ـ التقييد القانوني لحرية الصحافة ).
كما أن الحط من قيمة القضاء بالأفعال والأقوال العلنية التي تحط من قيمة وكرامة القضاء والطعن باستقلاليته وسلطته حيث يتعرض مرتكبها للمساءلة القانونية ولا تدخل في باب حرية الرأي والتعبير.
كيف يتعامل القانون العراقي مع تلك الحالات وصحة الخبر وتلصيق التهم ونثر النعوت؟.
 لقد تعامل القانون العراقي مع جريمة القذف والذم والسب والشتم بشكل ايجابي، حيث يقول المشّرع العراقي ( جريمة القذف هي أي قول أو اشارة جاوزت الاثنين وفيها العلانية وبأي اسلوب كان ، تنوشه احكام العقوبات البغدادية في باب جرائم الجنح) ، اضافة الى نص صريح بان ترديد صفة معينة وان كانت صحيحة علناً ، فانها تشكل جريمة حسب احكام هذا القانون والتطبيقات القضائية الصادرة بموجبه وقرارات محكمة التمييز بهيئتها العامة، ومثال على ذلك اذا أطلق انسان على انسان آخر بقوله مختلس فهذه الكلمة تعتبر جريمة بحق هذا الانسان وان كان هو فعلاً يمارس عملية السرقة والاختلاس، إذ ان كلمة لص تقلل من شأن حاملها حتى وان كانت الصفة تطابق الموصوف.
هل ما نسمعه كثيرا من كتاب وصحفيين واعلاميين يدخل في باب حرية التعبير ام السب والشتم والقذف التشهير؟.
شبكة النبأ المعلوماتية- الأحد 10/شباط/2013 - 29/ربيع الأول/1434

مقارعة الطغيان في المنهج النبوي

مقارعة الطغيان في المنهج النبوي
قبسات من فكر المرجع الشيرازي
 
شبكة النبأ: ثمة معادلة لا تقبل الخطأ، نصُّها يقول: كلما ابتعد الانسان عن العنف والطغيان كلما اقترب أكثر من التمدّن والحضارة، والعكس يصح تماما.
وعندما نطالع التأريخ الأمين سنكتشف من دون أدنى شك أن النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم، وُلد ونشأ وترعرع في مجتمع تسوده الكثير من بوادر الظلم والقسوة وضياع القيم المعايير التي تحد من مظاهر العنف، حيث اسلوب الغزوات والنهب والسلب والسبي، والاستعباد وما شابه، كانت أساليب سائدة تطبع حياة المجتمع البدوي الذي ترعرع فيه النبي محمد صلى الله عليه وآله.
من هنا تكمن القدرة النبوية الفريدة في تنظيم حياة هذا المجتمع العنيف، وترسيخ قيم العدل، وانصاف الضعيف والفقير، وكبح جماح الغني والقوي المتغطرس، حدث كل هذا ليس باسلوب العنف والعنف المضاد ولا باسلوب القوة والبطش.
يقول سماحة المرجع الديني، آية الله العظمى السيد صادق الحسيني الشيرازي (دام ظله) في احدى كلماته القيمة الموجَّهة الى عموم المسلمين: (إنّ لين النبيّ صلى الله عليه وآله في تعامله، سواء في أيام حكومته أو قبلها، هي من معاجزه الكبرى. والقرآن يقول: (لقد كان لكم في رسول الله اُسوة حسنة). وهذا خطاب موجّه للبشرية كافّة وليس للمسلمين فقط، وبالأخصّ للحكّام. وكذلك قال الإمام أمير المؤمنين: المتأسّي بنبيّه).
التسامح في المنهج النبوي
لقد شذَّب قائد الدولة الاسلامية الوليدة النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم، جميع القيم البدوية التي كانت تعصف بالمجتمع، وجاءت تعاليم الاسلام لتؤكد للجميع أن جميع البشر سواسية، وأن الجنوح الى السلم هو الذي يتقدم جميع السلوكيات الاخرى، كما أن اسلوب اللين والعفو والتسامح والتصحيح والتكافل والتعاون هو الاسلوب الفريد الذي استخدمه النبي صلى الله عليه وآله وسلم لكي يصلح حال المجتمع، وينقله من ظلام العنف والبطش والقوة العمياء، الى ضياء الرحمة والتسامح والتكافل والايمان.
يقول سماحة المرجع الشيرازي في هذا المجال: (إنّ تاريخ نبيّ الإسلام صلى الله عليه وآله، الذي نقله أهل البيت الأطهار صلوات الله عليهم، هو تاريخ فريد. وإنّ اسلوب النبيّ صلى الله عليه وآله، أي قوله وعمله، هو اسلوب فريد أيضاً. وإنّ نبيّ الإسلام صلى الله عليه وآله، هو القمّة في كل الأبعاد وهو أنجح إنسان في التاريخ، بلا استثناء، ومن بعده مولانا الإمام أمير المؤمنين صلوات الله عليه هو الأنجح في التاريخ أيضاً، وذلك لأنه اتّبع النبيّ صلى الله عليه وآله). ويضيف سماحته قائلا: إن (النبيّ صلى الله عليه وآله، مع غض النظر عن عصمته التي نعتقد نحن بواقعيتها، لا يمكن أن تنسب إليه صلى الله عليه وآله حتى حالة واحدة من الطغيان ولو قيد شعرة، وذلك لأنه كان كما وصفه القرآن الكريم: فبما رحمة من الله لنت لهم).
وقد طبع منهج العقل والاخلاق جميع القرارات التي تتعلق بقيادة الدولة الاسلامية، حتى في التفاصيل الصغيرة للحياة آنذاك، كذلك كانت الاخلاق والقيم النبوية الشريفة تتقدم جميع السلوكيات الحكومية التي تدير شؤون الدولة الاسلامية، لذلك يؤكد سماحة المرجع الشيرازي في كلمته هذه على أن: (تعامل النبيّ صلى الله عليه وآله يدلّ على العقل الكبير للنبيّ صلى الله عليه وآله. وهذه هي أخلاق النبيّ صلى الله عليه وآله، أي الأخلاق ثم الحكومة. وليس كما يقال: الحكومة ثم الأخلاق، أو الحكومة مطلقاً وبلا أخلاق. فنبيّ الإسلام صلى الله عليه وآله جعل الأخلاق هي قيد الحكومة). ويضيف سماحته قائلا: (انظروا إلى التاريخ وإلى دنيا اليوم، هل تجدون، ولو حاكماً واحداً، يتعرّض لمحاولة سوء ويقوم بالعفو عن صاحب المحاولة؟ أو لم يودعه السجن؟).
التوافق مع المنهج النبوي
لذلك فإن أي قول أو سلوك أو منهج لا يتوافق مع المنهج النبوي لابد أن يقود مصدره الى المسار الخاطئ، من هنا يؤكد سماحة المرجع الشيرازي على أن: (انّ كل قول وتصرّف وعمل يخالف قول وعمل النبيّ صلى الله عليه وآله، فهو المدان).
ولذلك طالما كانت قرارات وأفعال قادة المسلمين بعيدة عن المنهج النبوي القائم على مقارعة الطغيان والغطرسة والعنف، فإن الاخطاء السياسية سوف تجعل من هذه الدول والحكومات في حالة تناحر وتقاطع مع منهج الحياة الصحيح، من هنا نلاحظ حالة التشرذم التي تصيب الآن أمة المسلمين، مع أنهم يشكلون نسبة عالية من سكان العالم، فنجدهم دونما وحدة حتى في الرأي أو الموقف او الكلمة، السبب كما هو واضح ابتعادهم عن المنهج النبوي.
لذا يقول سماحة المرجع الشيرازي في كلمته نفسها: (أنا شخصياً ومنذ قرابة خمسين سنة أسمع بالوحدة الإسلامية وإلى يومنا هذا. ولكن لماذا لم تتحقّق ولم تتقدّم حتى خطوة واحدة؟). والملاحظ أيضا أن هناك إيغالا من لدن القيادات الحكومية للدول الاسلامية على عدم اتخاذ المنهج النبوي معيارا لسلوكهم وسياساتهم، لهذا نراهم في تناحر وتخلف مستمر. لذا يقول سماحة المرجع الشيرازي: إن (عدم الالتزام والتمسّك بما أوصى به رسول الله صلى الله عليه وآله وهو: القرآن الكريم وعترته الطاهرة هو السبب في عدم تتحقق الفائدة المرجوّة من المطالبة والمناداة بهذا الاتحاد وبهذه الوحدة. وانظروا إلى وضع المسلمين، وخصوصاً في العقدين الأخيرين، ترونه اسوأ مما مضى، بل هو إلى الوراء دوماً).
وهكذا لابد أن يرعوي صناع القرار في الدول الاسلامية ويتنبهوا الى نبذ الطغيان واعتماد منهج اللين والرحمة والتعاون في ادارة شؤون المسلمين، مع تطبيق الاخلاق والاعراف والقوانين التي تحفظ كرامة الناس وحقوقهم من التجاوزات أيا كان مصدرها أو درجة خطورتها، وهذا يمكن أن يتحقق فيما لو قرر المسؤولون العودة الى النبع النبوي الشريف وسيرة أهل البيت الاطهار، لكي يكونوا الاسوة لنشر السلام والمحبة ووحدة الموقف والكلمة لعموم المسلمين.
شبكة النبأ المعلوماتية- الخميس 14/شباط/2013 - 4/ربيع الثاني/1434