خطبة الجمعة الثانية -السياسيَّة- [563] 3 رمضان 1434هـ / 12 يوليو 2013م ـ جامع الإمام الصادق [عليه السلام] بالدراز.
· الخطبة الثانية:ـ
أمَّا بعد أيُّها الأحبَّة في الله فإلى بعض كلمات:
تصديقٌ لا يُطاق:
حتّى يجرِّد شخصٌ أو جهةٌ شخصاً آخر من ملابسه في تهديدٍ له بالفجور والفحشاء للاعتراف على نفسه أو غيره بما يريده منه ويفرضه عليه ذلك الطرف، ولا بدّ أنْ يكون المقدم على هذا العمل متخلّياً عن دينه وعن إنسانيّته وآخر ذرّةٍ من شرفه، وإذا كان التهديد لامرأةٍ مؤمنة كشف هذا الفعل عن أنّ القائم لهذا المنكر والتهديد بعيدٌ بمسافاتٍ ومسافاتٍ شاسعة عن قضيّة الدين والشرف والغيرة وكلّ خلقٍ إنسانيٍّ كريم وكشف عن دناءةٍ وخسّة تبعث على غثيان النفوس [1].
وحيث يحدث هذا في الجوّ الرسمي وتحت الرعاية الرسميّة ومن قبل الجهة الرسميّة فالمصيبة الدينيّة والخلقيّة والإنسانيّة لا تُوصف والبشاعة تكون أشدّ وأقبح وآلم.
ومن يستطيع أنْ يتحمّل أنْ يسمع مثل هذا الخبر الفظيع القاتل في هذا الشهر الفضيل الكريم؟ ومن يتصوّر أنْ يحدث هذا على يد جهة رسميّة في بلدٍ من بلاد الإسلام، جهة رسميّة كثيراً ما تحدّثت وتتحدّث عن الإسلام وباسم الإسلام وتحتجّ بالإسلام ؟
وأيّ مسلمٍ لا يُستثار بخبر هذا الفحش؟ وأيُّ مسلمٍ له ذرّة من إيمان وإنسان له ذرّة من غيرة أو خلق يهون عليه أنْ يسمع به فضلاً عن أنْ يسكت عليه ؟
لقد صرّحت الفريسة المظلومة بما صرّحت به في هذا الأمر، والحوادث من هذا النوع متكرّرة ممّا يجعلك لا تردّ كلامها وإلّا فالتصديق كان من الصعب جدَّا جدَّا، تصديقٌ لمثل هذا لا يُطاق.
أدواتنا مختلفة:
توجد مواجهة بين السلطة في البحرين وبين حركة واسعة من الشعب سببها سلبٌ للحقوق من جهة ومطالبة بها من جهة أخرى، وهي حقوقٌ لا يمكن لوزنها الكبير وأهميّتها البالغة واتصالها بحقّ الحياة وكرامة الإنسان أنْ يتغاضى أحدٌ عنها أو يطول الصبر على سلبها ؛ لذلك انطلقت هذه المواجهة ولا زالت ولن تزال ما دام سببها قائما، وبقيت السلطة تتنكّر لهذه الحقوق وتصرّ على استمرارها في مصادرتها.
والكلام في أدوات هذه المواجهة ومصادر القوّة عند الطرفين. أمّا عن مصادر قوّة السلطة فموارد دخل الدولة من نفطٍ وغيره ومعوناتٌ سخيّة من الخارج لدعم موقفها وقوّة سلاح وجندٍ وشرطة ومواقف داعمة من دولٍ يُعبّر عن بعضها بالشقيقة والأخرى بالصديقة ممّن تلاقي بينها وبينها المصالح ذات الطابع المعروف ومن مصادرها موالون ومُسخَّرون للخدمة خوفاً أو طمعا وحفاظاً على الدنيا ومكاسبها.
ومن مصادر القوّة للحراك الشعبيّ إيمانٌ قويّ متجذّر بضرورة الإصلاح والتغيير، وضيقٌ لا يُطاق بما وصل إليه الاستهتار بالحقوق من درجات طاغية، وعزمٍ بالغٌ، وإرادة لا تلين ولا تنكسر، وسخاءُ تضحيةٍ وصبرٍ على البذل والمشقّة لا ينقضي، وبقيّة ضميرٍ في هذا العالم قد تنتصر للمظلوم هنا وهناك، ومعاناةُ ظلمٍ طافحٍ تشترك فيها أكثر فئات الشعب من كلّ الانتماءات والتوجّهات، وحقّانيّة المطالب واعتدالها وعدالتها وكونها لا تنافي شيئاً من العرف العالميّ السائد اليوم وتنسجم تمام الانسجام مع حقوق الإنسان ومقرّرات الأمم ومواضعات الدول المشتركة وما انتهت إليه السياسة العالميّة نظريّاً من مسلّمات وصارت شعاراً عند عموم الشعوب مع كون مطالب الحراك الشعبيّ في صيغتها المطروحة من الجمعيّات السياسيّة المرخّصة دون كلّ السقوف التي طرحتها الثورات العربيّة المزامنة لهذا الحراك وخاضت معاركها الضعبة الضارية من أجلها.
وأمّا عن أدوات الطرفين، فمن جهة السّلطة فهي قوّات أمنٍ مدجّجة بالسلاح تملأ الساحة كلّها، وجيشٌ قد تدخّل فعلاً وهو جاهزٌ للتدخُّل في أيّ وقتٍ لقمع كلّ مظهرٍ من مظاهر الاحتجاج وإسكات الصوت المطالب بالحريَّة والحقوق، جيشٌ تشارك فيه قوّة من الداخل والخارج وتصدر عنه تهديداتٌ للمواطنين بين حينٍ وآخر ولا يرى مانعاً من تنفيذ ما يهدّد به، ومن هذه الأدوات سجون ومدد حبسٍ طويلة وتحقيقٌ فيه وجبات غليظة من العذاب والهتك ومحاكمات يرى فيها الخارج فضلاً عن الداخل المعارض وبحسب ما يشهد به واقع هذه المحاكمات أنّ منطلقها وطابعها في الكثير من الحالات على تقدير وفي الأعمّ الأغلب في تقديرٍ آخر سياسيٌّ لا غير.
وعن أدوات الحراك الشعبيّ في الطابع العام والواقع الإجماليّ فهي مسيرات واعتصامات وتجمّعات سلمية وإعلام يعتمد الموضوعيّة ويجهد أنْ يتوخّى الدقّة من غير أنْ أدّعي أنّه لا يمكن أنْ يتخلل ذلك تزيُّدٌ وعدم دقّة على هذا اللسان أو القلم أو الوسيلة الفلانيّة ووسائل الاتصال على الإطلاق.
ولكن حين ننظر إلى مراكز الإعلام المُعتَمدة في الحراك فهي تتحاشى ما استطاعت أنْ يدخل إعلامها الخبر البعيد عن الصحّة والصور المضخِّمة للأحداث وأنْ تعتمد الكذب والافتراء في هذا الاعلام. يقابل ذلك إعلامٌ رسميٌّ يعرف كل المستهدَفين منه أنّه مليءٌ بالزيف والافتراء والاختلاق وقلب الحقائق رأساً على عقب[2].
وفيما يخصّ قضيّة المساجد المهدَّمة والممنوع أنْ يُعاد بناؤها والتعبُّد على أرضها يتقابل النوعان من الأدوات، النوع العقليُّ القائم على الوثائق والواقع التاريخيّ القديم والنوع الثاني الذي يعتمد لغة القوّة والغاب والظفر، لغة السلاح والقتل والسفك والدم والتهديد والوعيد -هذا بشأن المساجد، وهذا مثل- وهكذا هو الأمر في كلّ مساحات الصراع بين دعاة الإصلاح والتصحيح، والمدافعين عن الأوضاع الجائرة.
فطبيعة الأدوات المستعملة لهذا الطرف تختلف اختلافاً هائلاً طبيعةً وحجماً وأخلاقيّة وأثراً عن طبيعة ما بيد الآخر وما يستعمله. ففي جانبٍ كلمةُ وقبضات أيدٍ تمتدّ في الهواء، وفي جانبٍ آخر غازٌ سامّ ورصاصٌ حيّ وشوزن وخراطيم مياهٍ حارّةٍ ملهبة، والفاعليّة لسلاح الكلمة [3] تختلف عن فاعليّة سلاح النار والحديد. أمّا فعاليّة الأدوات الأخرى المقابلة فتدميريّة قاتلة.
ومع ذلك يبقى الحقّ هو الأقوى والأثبت، وفي صلابة الإرادة وقوّة الصمود معجزةٌ لا بدّ أنْ تتراجع أمامها قوّة السلاح وبطش النار والحديد. النصر والعزّ للشعوب المكافحة من أجل الحقّ وفي طريق الحقّ ولهذا الشعب الأبيّ الكريم الذي لا يبتغي ظلماً ولا يريد فساداً ولا يميل إلى عدوان.
إلى متى انتظاركم ؟
الوضع في البلد يتأزّم، المشكل يتفاقم، الاقتصاد يتراجع، السمعة السياسيّة تسوء، الوضع الحقيقيّ يمثّل فضيحة، الأمن يتدهور، خسائر الوطن تتزايد، الثقة تنعدم، الجروح تتعمّق، المخارج تتلاشى، فإنْ كان عند السلطة أو بعض أطرافها حلٌّ ذو قيمة، حلٌّ قائمٌ على العدل معترفٌ بحقوق الشعب فإلى متى الانتظار؟ إلى أنْ تنسدّ كلّ الأبواب، وتتبخّر كلّ الفرص، وتطغى المحنة بحيث لا تترك حكمةً ولا عقلا ولا مجالاً لكلمة مهدّئة ولا فاعليّة لنصيحة ناصح ؟!
يبدو أنَّ مايُسرَّب من نيّة الحلّ، التفكير في الحلّ، رغبةٍ فيه، ماهو إلّا تمويهٌ وسراب.
وهكذا تقول الأحداث على الأرض في توتيرها وتصعيدها وتكثيفها وشراستها ممّا يصدر عن الجهات الرسميةّ، إنّ كل ذلك ليقول لا نيّة في الإصلاح ولا تفكير فيه عند الطرف الرسميّ على الإطلاق إلّا أنْ يكون النقيض مقدّمةً لنقيضه وأرضيّة ممهدّة له -ونحن لا نعرف هذا الشيء إلّا على وجهٍ خاصّ-.
وسواءٌ كانت هناك نيّة إصلاحٍ أم لم تكن، كان هناك مشروعٌ إصلاحيٌّ يستحقّ النظر أم كان مشروعاً لمجرّد الدعاية وسدّاً للحاجة الإعلاميّة، قريباً ذلك كان أم بعيداً فكلّ ذلك لن يؤثّر على الحراك الشعبيّ ولا على اندفاعته وإصراره على المطالبة بالحقوق بالطرق السلميّة الممكنة ومواصلة الصمود حتّى يُعترف بالشعب ويُسترجع الحقُّ ويكون عدل.
وإنَّه لغريبٌ ممَّن يستنكر على هذا الشعب مطالبته بالتوزيع العادل للدوائر الانتخابيّة، وإذا اُعتُرف له بشيءٍ من ذلك قالوا بتوزيعٍ أكثر عدالة ويعني ذلك تعديل التوزيع الجائر المبخس بعض الشيء، أمّا بلوغ الحدّ العادل فدونه ما دونه.
وقد تشارك دولٌ من الدول التي تقود حركة الديمقراطيّة في العالم حسب المدّعى في هذا الاستخفاف بحقّ المواطن هنا وتأخذ بهذا الرأي [4].
ويُستكثَر على هذا الشعب أنْ يطالب بمجلس نيابيّ كامل الصلاحيّات، وإذا رأوا أنْ يوافقوه بضع الشيء أنقصوا صلاحيّاته، وإذا أصرّ الشعب على مجلسٍ نيابيٍّ عن طريق انتخابٍ نزيهٍ يتساوى فيه صوت المواطن مع أخيه المواطن الآخر وضعوا لنوّاب المعارضة زيادةً طفيفة وسلبوها كلّ قيمتها وأصرّوا على ضمان الأغلبيّة عن طريق إبقاء مجلس الشورى المعيّن وإشراكه في حقّ سنّ القوانين[5]، وإذا نادى الشعب بالحكومة المنتخبة عن طريق مجلس النوّاب قالوا بأنّ تعيين رأس الحكومة غير قابلٍ للتصويت وقالوا بضمان العدد الأهم من الوزارات وتجييره بعيداً كلّ البعد عن رأي الشعب، وإذا طالب الشعب بالمساواة وفتح الباب للدخول في سلك الجهاز الأمنيّ والجيش أمام كلّ مواطنٍ راغبٍ قادر قالوا بأنّ ذلك لا بدّ أنْ يخضع لجدولٍ زمنيٍّ يطول وأنّ الباب مُوصَدٌ أمام فئةٍ خاصّة من المواطنين حتّى صدور قرارٍ سياسيّ لا علاقة للشعب به لفتح هذا الباب.
بعد هذا كلّه هل يمكن صدق الإصلاح؟ إنّه إصلاحٌ اسميّ، إصلاحٌ بلا لونٍ ولا طعمٍ ولا وزنٍ ولا جدوى ولا واقع.
ونأتي لدولٍ من الدول التي ترفع شعار الحريّة والديمقراطيّة وحمايتها وتقيم حروباً باسمها وباسم إنقاذ الشعوب فتنصح بقبول هذا الإصلاح الوهميّ غير الفاعل الكسيح.
أمنيتنا أنْ تهدأ كلّ الأوضاع في وطننا، وأنْ يأمن الجميع، ويطمئنّ الجميع، وتطيب على هذه الأرض للجميع الحياة، وكلّ ذلك ممكنٌ ومتأتِّ بابه مفتوح وقريبٌ وليس ببعيد لو سلمت نيّة السلطة وجدَّت إرادتها في الإصلاح وأقدمت على القبول بإصلاحٍ حقيقيٍّ وحلٍّ قادرٍ على إنهاء الأزمة وتحقيق الإنقاذ.
—————–
[1] هتاف جموع المصلين: “ فليسمع رأس الدولة…هيهات منا الذلة “.
[2] سماحة الشيخ: ” كيف يصدّق بهذا الإعلام وقد ناله شخصيّاً من كذبه وافترائه الكثير؟ كثيرون هنا وغير هنا عانوا هذه المعاناة “.
[3] سماحة الشيخ: ” لسلاح الكلمة فاعليّةٌ بأنْ قد تكون الكلمة قارصةً ومحرجةً ومعريّة وملزمةً عقلا “.
[4] سماحة الشيخ: ” الدول المتقدّمة في ديمقراطيتها والتي تدّعي أنّها داعية الديمقراطية في كلّ الأرض تقبل أنْ يُعدَّل توزيع الدوائر الانتخابيّة بعض تعديل بحيث لا يرقى هذا التعديل إلى ما هو التعديل العادل”.
[5] سماحة الشيخ: ” يعطون المعارضة ثلاثة مرشحين، مرشّحيْن، أزيد من الموالاة ولكن أربعون عضو شورى يقفون ضدّ هذه الكتلة الن