ذرائع
بالمناسبة: جائزة وبحرين وحرية وصحافة
غسان الشهابي
بالمناسبة: جائزة وبحرين وحرية وصحافة
غسان الشهابي
وإن كنت لا أستسيغ أن أكون من كتاب المناسبات، إلا أن بعض المناسبات تفرض نفسها، وتطل برأسها، وتجبرك على أن تنصاع لها. ومنها اليوم العالمي لحرية الصحافة الذي نحتفل به اليوم. فهو ليس يوماً لمهنة، ولكنه يومٌ للبشرية جميعاً، إذ لا يمكن إنكار الدور المحوري الذي أدته الصحافة في العالم في كثير من القضايا التي لاتزال عالقة في الأذهان، وكيف أنقذت أمماً من المجاعة، وكيف أوقفت حروباً، وكيف أشعلت حروباً أخرى، مع عدم نسيان أنها تشبع جانباً مهماً في النفس البشرية، وهو التطلع إلى المعرفة والاطلاع، وهو ما أصبح حقاً مقدساً في كثير من الدول، وعلى أساس اتساع وضيق هذا الحق، يتم تصنيف مدى تمتع هذه الدول بالحريات الصحافية على مستوى العالم. وبات هذا التصنيف يبيّض وجوه دول ويسوِّد وجوه أخرى.
ونحن نحتفل اليوم بإطلاق النسخة الأولى من جائزة حرية الصحافة التي تتبناها البحرين، بجائزتها المالية البالغة الضخامة «100 ألف دولار» القريبة من الحد الأعلى من قرض الإسكان في البحرين، إذ أن ترجمة هذا المبلغ محلياً تشير إلى 37 ألفاً و750 ديناراً؛ سنستذكر بعض التجارب التي يمكن أن نستدل بها في تاريخ البشرية.
فواحدة من أهم وأعرق الجوائز التي تتسابق إليها الأمم والأفراد على مستوى العالم هي جوائز نوبل، وقد مضى عليها إلى الآن 109 سنوات، وقد تحولت من جائزة في الآداب والكيمياء والفيزياء والطب، إلى أن ضمت معها جائزتي السلام والاقتصاد، وصارت تقليداً سنوياً مرموقاً، ومطمحاً للتسابق إليه.
رغم ما أثير ويثار بشأن هذه الجائزة العالمية عن انحيازها أيام المعسكرين، لأنها تميل ميلة عظيمة إلى جانب الرأسماليين، أو المنشقين من المعسكر الشرقي، وكأنها تشجع على الانشقاق والالتحاق بالمعسكر الغربي، والجائزة تأتي مكافأة لهم، وتحفيزاً لمن سينشقون بعدهم، وحتى العام الماضي حينما مُنحت للرئيس الأميركي باراك أوباما، وهو لم يزل يرتب أوراق البيت الأبيض، ولم يدفأ كرسيّه بعد.
فليس من المستغرب أن تنال جائزة البحرين حظها أيضاً من النقد بحسب المقاييس التي ستختطها، وقوة الأعمال المتقدمة إليها، وما يمكن أن تعتمده لجان التحكيم، خصوصاً أن قيمة الجائزة تعتبر عالية «عربياً»، إلا أن التأسيس لها يستحق الكثير من العناء، والمضيّ في أمر استمرارية الجائزة سيكون مما يلفت الأنظار إلى البحرين في هذا المجال المهم والحيوي على أسس إعلامية صرفة، إذ إن البحرين ستكون - على مرّ سنيّ الجائزة - محط انتباه والتفات الدول والمؤسسات الإعلامية والعاملين فيها في محور الجائزة والتسابق إليها، والتطلع إلى من سيفوز بها، خصوصاً إنْ اكتسبت صدقيتها وحرفية انتقاءاتها، وصلابة شروطها. هذا الأمر نفسه الذي اكتشفه ملك السويد أوسكار الثاني، بعدما كان غير مستسيغ لفكرة منح الجائزة التي يسلمها بنفسه لأفراد من غير رعاياه السويديين، فرأى أن الهالة الإعلامية، وانتشار السويد واشتهارها على مستوى العالم قد توفر من خلال هذه الجائزة، فما عادت تحفل بمن حصل عليها مادام قد استوفى الشروط.
ولكن.. (آه من «ولكن» هذه)، سيكون القادح والمقدوح الأهم في هذه الجائزة التي تنطلق من البحرين وتحمل اسمها وتتحدث عن حرية الصحافة؛ المراكز المتراجعة للبحرين على مستوى حريات الصحافة، وذلك عبر عدد من التدابير والإجراءات والأوامر التي تحدث سنوياً على المستوى المرئي والمسموع والمقروء، على المستويات التقليدية أو الإلكترونية الجديدة. فالمراكز العالمية - في أي من جداول التقييم التي تجريها كثير من المنظمات العالمية - ليست حقوقاً مكتسبة، بل هي مسؤولية عالية جداً في الحفاظ على المكان والمكانة. وفي بعض الأحيان ليس شرطاً أن تسجل دول تراجعاً في التزاماتها، بل تتقدم عليها دول أخرى استطاعت أن تجري كثيراً من التحسينات على أجوائها ومناخاتها في الموضوع الذي يجري فيه التقييم، فما بالنا وقصص الإحاطة بالحريات تتكرس، في الوقت الذي يتقدم فيه علينا الآخرون؟! هنا النتيجة ستكون مضاعفة ولاشك في التراجع والتقهقر. سيكون على البحرين أن تعمل بشكل مكثف إعلامياً، وتتسم بسعة صدر غير مسبوقة لكي تبدأ في وقف مسلسل التراجع في التصنيف العالمي، أن تعود إلى بحرين 2001 و,2002 وربما هي من المرات القليلة التي يطلب فيها أحدنا العودة بالزمان إلى الوراء من أجل التقدم، ففي ذينك العامين تلألأ اسم البحرين عالياً في غمرة الانتشاء بالانطلاق القوي والفعلي للمشروع الإصلاحي الوطني، وفي تلك الأجواء، كانت هناك مساحة واسعة نسبياً من الحرية المسؤولة، وفيها أيضاً بعض النزق والرعونة والاستعجال وانطلاق المكبوتات التي ظلت حبيسة لفترات طويلة من الزمن، ولكن البحرين - في تلك الفترات - تفهمت واستوعبت ومارست دور الأب الحاني على أبنائه جميعاً، حتى لو جانب بعضهم الصواب، وأخذته سنيّ مراهقته إلى بعض المنزلقات، وهذا ما أعطى البحرين السمعة الطيبة، والمراكز المتقدمة.
إن العودة إلى تلك الروح والأريحية لهو من الأمور المهمة التي تجعل الأجواء العامة المستريحة تنبذ ذوي الأقلام المتوترة والموتورة، فكلما جرى التضييق على التعبير، كلما ازداد جيش القادحين
ونحن نحتفل اليوم بإطلاق النسخة الأولى من جائزة حرية الصحافة التي تتبناها البحرين، بجائزتها المالية البالغة الضخامة «100 ألف دولار» القريبة من الحد الأعلى من قرض الإسكان في البحرين، إذ أن ترجمة هذا المبلغ محلياً تشير إلى 37 ألفاً و750 ديناراً؛ سنستذكر بعض التجارب التي يمكن أن نستدل بها في تاريخ البشرية.
فواحدة من أهم وأعرق الجوائز التي تتسابق إليها الأمم والأفراد على مستوى العالم هي جوائز نوبل، وقد مضى عليها إلى الآن 109 سنوات، وقد تحولت من جائزة في الآداب والكيمياء والفيزياء والطب، إلى أن ضمت معها جائزتي السلام والاقتصاد، وصارت تقليداً سنوياً مرموقاً، ومطمحاً للتسابق إليه.
رغم ما أثير ويثار بشأن هذه الجائزة العالمية عن انحيازها أيام المعسكرين، لأنها تميل ميلة عظيمة إلى جانب الرأسماليين، أو المنشقين من المعسكر الشرقي، وكأنها تشجع على الانشقاق والالتحاق بالمعسكر الغربي، والجائزة تأتي مكافأة لهم، وتحفيزاً لمن سينشقون بعدهم، وحتى العام الماضي حينما مُنحت للرئيس الأميركي باراك أوباما، وهو لم يزل يرتب أوراق البيت الأبيض، ولم يدفأ كرسيّه بعد.
فليس من المستغرب أن تنال جائزة البحرين حظها أيضاً من النقد بحسب المقاييس التي ستختطها، وقوة الأعمال المتقدمة إليها، وما يمكن أن تعتمده لجان التحكيم، خصوصاً أن قيمة الجائزة تعتبر عالية «عربياً»، إلا أن التأسيس لها يستحق الكثير من العناء، والمضيّ في أمر استمرارية الجائزة سيكون مما يلفت الأنظار إلى البحرين في هذا المجال المهم والحيوي على أسس إعلامية صرفة، إذ إن البحرين ستكون - على مرّ سنيّ الجائزة - محط انتباه والتفات الدول والمؤسسات الإعلامية والعاملين فيها في محور الجائزة والتسابق إليها، والتطلع إلى من سيفوز بها، خصوصاً إنْ اكتسبت صدقيتها وحرفية انتقاءاتها، وصلابة شروطها. هذا الأمر نفسه الذي اكتشفه ملك السويد أوسكار الثاني، بعدما كان غير مستسيغ لفكرة منح الجائزة التي يسلمها بنفسه لأفراد من غير رعاياه السويديين، فرأى أن الهالة الإعلامية، وانتشار السويد واشتهارها على مستوى العالم قد توفر من خلال هذه الجائزة، فما عادت تحفل بمن حصل عليها مادام قد استوفى الشروط.
ولكن.. (آه من «ولكن» هذه)، سيكون القادح والمقدوح الأهم في هذه الجائزة التي تنطلق من البحرين وتحمل اسمها وتتحدث عن حرية الصحافة؛ المراكز المتراجعة للبحرين على مستوى حريات الصحافة، وذلك عبر عدد من التدابير والإجراءات والأوامر التي تحدث سنوياً على المستوى المرئي والمسموع والمقروء، على المستويات التقليدية أو الإلكترونية الجديدة. فالمراكز العالمية - في أي من جداول التقييم التي تجريها كثير من المنظمات العالمية - ليست حقوقاً مكتسبة، بل هي مسؤولية عالية جداً في الحفاظ على المكان والمكانة. وفي بعض الأحيان ليس شرطاً أن تسجل دول تراجعاً في التزاماتها، بل تتقدم عليها دول أخرى استطاعت أن تجري كثيراً من التحسينات على أجوائها ومناخاتها في الموضوع الذي يجري فيه التقييم، فما بالنا وقصص الإحاطة بالحريات تتكرس، في الوقت الذي يتقدم فيه علينا الآخرون؟! هنا النتيجة ستكون مضاعفة ولاشك في التراجع والتقهقر. سيكون على البحرين أن تعمل بشكل مكثف إعلامياً، وتتسم بسعة صدر غير مسبوقة لكي تبدأ في وقف مسلسل التراجع في التصنيف العالمي، أن تعود إلى بحرين 2001 و,2002 وربما هي من المرات القليلة التي يطلب فيها أحدنا العودة بالزمان إلى الوراء من أجل التقدم، ففي ذينك العامين تلألأ اسم البحرين عالياً في غمرة الانتشاء بالانطلاق القوي والفعلي للمشروع الإصلاحي الوطني، وفي تلك الأجواء، كانت هناك مساحة واسعة نسبياً من الحرية المسؤولة، وفيها أيضاً بعض النزق والرعونة والاستعجال وانطلاق المكبوتات التي ظلت حبيسة لفترات طويلة من الزمن، ولكن البحرين - في تلك الفترات - تفهمت واستوعبت ومارست دور الأب الحاني على أبنائه جميعاً، حتى لو جانب بعضهم الصواب، وأخذته سنيّ مراهقته إلى بعض المنزلقات، وهذا ما أعطى البحرين السمعة الطيبة، والمراكز المتقدمة.
إن العودة إلى تلك الروح والأريحية لهو من الأمور المهمة التي تجعل الأجواء العامة المستريحة تنبذ ذوي الأقلام المتوترة والموتورة، فكلما جرى التضييق على التعبير، كلما ازداد جيش القادحين
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق